في ليلة السادس من يونيو عام 2015 انطلقت الأفراح والاحتفالات في اقليم كاتالونيا الاسباني بمجرد أن أطلق الحكم التركي الشهير جنيد شاكير صافرته معلنا انتصار برشلونة على يوفنتوس في نهائي دوري أبطال أوروبا 2014/2015, ليتوج الفريق الكلتوني بلقبه الخامس في ليلة اعتقد عشاق كرة القدم عامة, ومشجعو برشلونة بشكل خاص, انها الليلة التي أعلن فيها الفريق الكتلوني بداية سيطرته مجددا على زمام الكرة الأوروبية بتتويجه بثلاثية الدوري, الكأس و الأبطال بقيادة ثلاثي خط هجومه المرعب وقتها المكون من ليونيل ميسي, نيمار دا سيلفا ولويس سواريز, الا أن تلك الليلة كانت اخر ليالي الأفراح الكبرى في برشلونة من جهة, واعلانا لبداية فترة من الأزمات عصفت بالبيت الكتلوني من جهة أخرى.
بداية الانحدار في برشلونة
بعد تتويجه بخمسة ألقاب في موسم 2014/2015, نجح برشلونة في الموسم التالي 2015/2016 في تحقيق لقبي الدوري الاسباني وكأس ملك اسبانيا, بينما خرج من الدور نصف النهائي في دوري أبطال اوروبا على يد اتلتكو مدريد, الذي بدوره خسر النهائي لاحقا أمام غريمه ريال مدريد من خلال ركلات الترجيح.
في واقع الأمر, كان يعتبر هذا الموسم ناجحا لحد بعيد بالنسبة لجماهير الفريق الكتلوني, فالتتويج باللقبين المحليين هو انجاز كبير خصوصا وأن الفريق وصل الى دور متقدم جدا على مستوى المنافسة الأوروبية, الا أن تواجد ثلاثي الMSN رفع من سقف التوقعات الى أقصى درجة, مما فرض على الفريق أن يضع لقب دوري أبطال أوروبا كأولوية كبرى في الموسم المقبل.
ومع انطلاق موسم 2016/2017 كانت جماهير الفريق الكتلوني تمني النفس بحصد ثنائية الدوري المحلي ودوري الأبطال, التي كانت تمثل هدفا أساسيا للاعبي الفريق وادارته, الا ان برشلونة اصطدم في هذا الموسم بصحوة غريمه الأزلي ريال مدريد بقيادة مدربه الأسطوري زين الدين زيدان, الذي نجح في صناعة فريق في منتهى القوة في ذلك الموسم تمكن في نهاية المطاف هو من حصد لقبي الدوري الأسباني ودوري أبطال أوروبا, بينما اكتفى برشلونة بالتتويج بلقب كأس ملك اسبانيا في موسم اعتبرته الجماهير غير مرضيا.
على الرغم من أن برشلونة نجح في هذا الموسم في تحقيق الريمونتادا التاريخية أمام باريس سان جرمان في دور ال16 من دوري الأبطال وقلب تأخره في مباراة الذهاب برباعية الى فوز بسداسية في الاياب, الا ان خروج الفريق أمام يوفنتوس في الدور اللاحق وخسارته بثلاثة أهداف نظيفة في تورينو جعلت جماهير الفريق تطالب بتحسين الأوضاع والمنافسة بشكل أكبر في الموسم التالي.
ضربة نيمار ولعنة الريمونتادا
في صيف 2017 تعرضت ادارة برشلونة لضربة كبيرة أدت الى اهتزاز صورة النادي بشكل كبير في أوساط الكرة الأوروبية والعالمية, وتمثلت هذه الضربة في توقيع نجم الفريق نيمار دا سيلفا مع باريس جرمان الفرنسي على الرغم من رفض ادارة الفريق الكتلوني للصفقة بشكل كامل.
الهزة الفعلية لم تتمثل في مغادرة نيمار على وجه التحديد, بل تمثلت في أنها أظهرت أن ادارة الفريق بقيادة بارتوميو لم تعد قادرة على فرض كلمتها على اللاعبين او بقية الأندية الكبرى في أوروبا. باريس سان جرمان دفع الشرط الجزائي الموجود في عقد نيمار البالغ 222 مليون يورو ونجح في خطف اللاعب بناء على رغبته الشخصية في مغادرة برشلونة, أما ادارة العملاق الكتلوني فكانت مطالبة باستعادة الصورة المشرقة للفريق من ناحية, وارضاء الجماهير الغاضبة من ناحية أخرى.
وفي موسم 2017/2018 نجح برشلونة في استغلال الانطلاقة السيئة لريال مدريد في تكرار لسيناريو موسم 2015/2016 وابتعد بصدارة الدوري عنه, ليواجه منافسة شديدة من اتلتكو مدريد انتهت بتتويج الفريق الكلتوني باللقب, كما تمكن أبناء المدرب ارنيستو فالفيردي من تحقيق لقب كأس ملك اسبانيا في نفس الموسم.
نتائج اجابية تمت ترجمتها الى ألقاب في نهاية المطاف, الا ان الكارثة التي عكرت موسم الفريق تمثلت في خروجه من الدور ربع نهائي لمنافسة دوري أبطال أوروبا على يد روما الايطالي في سيناريو سيء تمثل في فوز برشلونة ذهابا بنتيجة 4-1, قبل ان يتلقى الريمونتادا التاريخية في روما ويخسر بنتيجة 3-0 ليودع البطولة بنفس الطريقة التي قلب فيها النتيجة على باريس سان جرمان في الموسم السابق, وكأن السحر ينقلب على الساحر, وكأن لعنة الريمونتادا اصابت صاحبها.
وفي الموسم التالي تواصلت سيطرة برشلونة على لقب الدوري الاسباني حيث نجح الفريق في تحقيق اللقب مجددا, بينما خسر نهائي كأس ملك اسبانيا على يد فالنسيا ليتجرد من لقبه المحبب. أما على مستوى دوري أبطال أوروبا فتمكن برشلونة من بلوغ الدور نصف النهائي ليواجه ليفربول الانجليزي. تمكن برشلونة في مباراة الذهاب من الفوز بنتيجة 3-0 ليحسم بشكل شبه رسمي صعوده الى الدور النهائي.. او هذا على الأقل ما اعتقده الجميع.
دخل ليفربول مباراة الاياب مفتقدا لخدمات نجمه المصري محمد صلاح ومهاجمه البرازيلي فيريمينو, ومحملا بثلاثة أهداف تعطي الأمان والاطمئنان لجماهير الفريق الكتلوني, الا ان نتيجة الذهاب تلك لم تكن الا مقدمة لرسالة من السماء مفادها أن لعنة الريمونتادا لا زالت مستمرة, وأن برشلونة ليس من المقدر له أن يودع دوري الأبطال فحسب, بل مقدر له أن يخرج بأسوأ السيناريوهات الممكنة. ليفربول نجح في تلك الليلة التاريخية في قلب تأخره وانتصر برباعية نظيفة, ومشهد الختام كان معبرا.. ميسي مطأطأ الرأس, وبرشلونة يخرج بالسيناريو الأسوا.. أو ما اعتقد البعض أنه الأسوأ.
جائحة كورونا.. وجائحة البايرن
قبل انطلاق موسم 2019/2020, قدم النجم الارجنتيني ليونيل ميسي وعدا لجماهير برشلونة مفاده “كأس دوري الأبطال ستعود الى كتلونيا في نهاية الموسم”, وهو وعد فسره البعض على أن الفريق الكتلوني جاهز بشكل كبير للدخول في منافسات الموسم وانهاء لعنة دوري الأبطال, بينما فسره البعض الاخر على انه مجرد مكابرة من البرغوث, خصوصا وأن الفريق لم يقم بأي تدعيمات, بل اكتفى باقالة ايرنيستو فالفيردي وتعيين كيكي سيتيين.
انطلق الموسم في ظل صراع شديد على الصدارة بين برشلونة وريال مدريد استمر حتى مطلع شهر مارس 2020, قبل ان يعلن الاتحاد الأوروبي عن توقف المسابقات الكروية في أوروبا بسبب جائحة كورونا, في الوقت الذي كان فيه برشلونة يحتل المركز الثاني بفارق بسيط عن ريال مدريد, و على موعد مع مواجهة نابولي الايطالي في دور ال16 من منافسات دوري الأبطال.
بعد التوقف, نجح برشلونة في تخطي عقبة نابولي بالفوز عليه بنتيجة 3-1, ليضرب موعدا مع بايرن ميونخ الألماني في ربع النهائي, في مباراة وصفها أغلب المحللون والخبراء بأنها نهائي قبل الأوان. وفي العاصمة البرتغالية لشبونه أقيمت مباراة الدور ربع النهائي بين برشلونة وبايرن ميونخ تحت أنظار العالم أجمع, وخلال أول 15 دقيقة وجد برشلونة نفسه متعادلا بنتيجة 1-1 في ظل أفضلية طفيفة للفريق الكتلوني اعطت عشاقه الكثير من الأمل, ولكن كم هو مؤلم أن تسقط من فوق السحاب الى الأرض السابعة!
انتهت تلك المباراة الشهيرة بفوز بايرن ميونخ على برشلونة بنتيجة تاريخية بلغ قوامها 8-2! وهي المباراة التي صنفها البعض على أنها الأسوا في تاريخ النادي الكتلوني, وصنفها البعض الاخر على انها فضيحة لا تليق بتاريخ هذا الفريق, لتجد الادارة نفسها واللاعبين في موقف لا يحسدون عليه, فهذا الفريق العريق أصبح مصابا بلعنة أكبر من لعنة الريمونتادا, فاللعنة تحولت الى أن الفريق الذي كان يسطير على أوروبا قبل سنين قليلة, أصبح لا يعرف الخروج من دوري أبطال أوروبا الا مبكيا جماهيره بأسوأ السيناريوهات والطرق الممكنة.
الموسم الكارثي لبرشلونة تبروز بخسارة الفريق للقب الدوري لصالح الغريم التقليدي, كما فرط بلقب كأس الملك لصالح ريال سوسيداد, ليخرج خالي الوفاض, ومحملا بخسارة تاريخية هزت أركان الفريق وأدخلت الشك لقلوب جميع لاعبيه, ودفعت أسطورة النادي ليونيل ميسي الى اعلان رغبته بالرحيل بشكل واضح أمام جميع وسائل الاعلام.
الأزمة المالية
على الرغم من أن الفريق نجح خلال فترته في تحقيق عدد لا بأس به من الألقاب, الا أن رئيس برشلونة ان ذاك جوسيب بارتوميو أدخل النادي في مشاكل وأزمات مالية كبيرة, قبل أن تأتي جائحة كورونا لتغرق الفريق في أزماته أكثر وأكثر. وعلى الرغم من اصرار ليونيل ميسي على الرحيل في صيف 2020, رفض بارتمويو ذلك بشكل قاطع ودخل في صراع مباشر مع ميسي نفسه, مما أجبر البرغوث على البقاء لموسم اخر في صفوف الفريق, قبل أن يعلن خروجه في الصيف اللاحق بشكل مجاني, بعد أن كان من الممكن بيعه في صيف 2020 مقابل أكثر من 100 مليون يورو.
وسائل الاعلام أكدت لاحقا أن عقد ليونيل ميسي الأخير كلف ادارة برشلونة أكثر من 600 مليون يورو على مدار 5 مواسم, وهي مواسم لم يحقق فيها النادي النجاح الرياضي المتوفع, بل على العكس تماما تعرضت صورة الفريق الى الكثير من الضربات الموجعة.
ولم يكن عقد ميسي أو خروجه المجاني من الفريق المشكلة الوحيدة في ادارة ملفات اللاعبين, بل أن الفترة بين 2017 و2020 سادت فيها الصفقات الفاشلة التي كلفت خزينة الفريق الكتلوني الكثير من الأموال. يكفيك عزيزي القارىء أن تعلم أن ادارة برشلونة انفقت أكثر من 400 مليون يورو من أجل التعاقد مع كوتينيو, ديمبيلي وجريزمان, ولم يقدم أي من هؤلاء اللاعبين شيئا يذكر للفريق, قبل أن يرحلو بمبالغ زهيدة ليتكبد النادي العديد من الخسائر المالية بسبب تلك الصفقات.
جائحة كورونا تسببت في دخول برشلونة في أزمة مالية جدية للغاية, حيث بلغت ديون الفريق أكثر من 1.5 مليار يورو, مع معاناة الفريق من الأجور العالية التي يتقاضاها لاعبوه في ظل عدم تحقيق أي نجاحات تذكر على المستوى الرياضي, ويمكن أن نقول أن برشلونة كان اسوأ الفرق في اسبانيا تعاملا مع أزمة كورونا مقارنة بمنافسيه المباشرين ريال مدريد واتلتكو مدريد, أو حتى مع فرق أقل سيطا منه مثل اشبيلية, ريال بيتيس او حتى ريال سوسيداد.
هل تشافي هو الحل؟
مع استقالة بارتوميو من ادارة برشلونة وتولي خوان لابورتا زمام الأمور, بدأ الفريق الكتلوني محاولة التخلص من أعباء الأجور العالية التي يقوم بدفعها من خلال انهاء عقود بعض اللاعبين, والاتفاق مع البعض الاخر على تخفيض أجورهم. في الموسم الماضي, لم يدخل برشلونة المنافسة على لقب الدوري الاسباني من الأساس حيث أن غريمه ريال مدريد سيطر على المنافسة منذ ضربة البداية وحتى صافرة النهاية, أما على مستوى دوري أبطال أوروبا فتعرض الفريق الكتلوني الى نكسة أخرى تمثلت في خروجه من دور المجموعات على يد بنفيكا البرتغالي, الا ان البشارة جائت في تعيين تشافي هيرنانيدز مدربا للفريق في منتصف الموسم.
تشافي نجح بالفعل في تطوير شكل الفريق بشكل واضح, واعاده من المركز التاسع في الدوري الى المركز الثاني, الا انه بقي بعيدا عن ريال مدريد, وفشل في نهاية المطاف في التتويج بأي ألقاب ليخرج بموسم صفري, مع الكثير من التساؤلات حول قدرة تشافي على اعادة برشلونة الى مسار الألقاب من جديد في ظل التخبط الاداري والازمات المالية الكبيرة التي يعيشها النادي خلال الفترة الحالية وعدم قدرته على ابرام صفقات من العيار الثقيل بسبب انعدام السيولة.
للتعرف على أهم أخبار الرياضة, تابع أخبار العراق.