في صيف العام الماضي استلم السيد خوان لابورتا منصب الرئاسة في نادي برشلونة الاسباني خلفا للرئيس السابق جوزيب بارتوميو ليجد نفسه أمام الكثير من التحديات والمصاعب التي تركتها الادارة السابقة في سواء في أرض الملعب أو في دفاتر حسابات النادي وسط تساؤلات و شكوك كبيرة حول قدرة لابورتا على تنفيذ وعوده بايجاد الحلول لمشاكل برشلونة, فهل تمكن الرئيس من تنفذ وعوده بعد سنة من شغله لمنصب الرئاسة؟ وهل هناك بوادر تحسن أكبر في المستقبل للفريق الكتلوني؟
مشاكل برشلونة التي تركتها الادارة السابقة
ادارة برشلونة السابقة بقيادة جوزيب بارتوميو تركت الكثير من الحمل الثقيل لخوان لابورتا, ويتمثل هذا الحمل في عديد الجوانب رياضية كانت أو اقتصادية. قبل التفكير في اعادة هيكلة الفريق وتجديد دماء لاعبيه في المستطيل الأخضر, لابورتا كان مطالبا في بداية ولايته من حل مشاكل برشلونة والتخلص من الأعباء الاقتصادية الثقيلة الواقعة على البارسا أولا والتعامل مع الكثير من المعضلات الأخرى والتي تمثلت في التالي:
الديون
وصلت ديون نادي برشلونة مع شهر يونيو 2021 الى رقم فلكي بلغ المليار ونصف المليار يورو, وهو رقم لم يسبق أن وصلت ديون الفريق له من قبل جعلت مشاكل برشلونة في منتهى الصعوبة. الاعلام وخوان لابورتا نفسه وضها التهمة لادارة بارتوميو في وصول مديونية الفريق الى هذا الرقم, ولكن هل هذه هي الحقيقة؟ في واقع الأمر, هذا ليس صحيحا, فبارتوميو وعلى الرغم من سوء فترة ادارته لم يكن الرجل الوحيد المتسبب في ذلك. تقارير صحفية اسبانية أكدت أن ادارة ساندرو روسيل تركت لبارتوميو ديونا بقيمة 600 مليون يورو, والأكثر صدمة من ذلك أن خوان لابورتا نفسه ترك لروسيل بعد نهاية فترته الأولى في عام 2011 ديونا بلغت أكثر من 400 مليون يورو.
سقف الرواتب
مشاكل برشلونة المادية تواصلت عنجما وصل سقف الرواتب في النادي الى رقم كبير جدا جعله الفريق الأكثر دفعا للرواتب في فرق الدوريات الأوروبية. سقف الرواتب هذا وضع الفريق في مواجهة مباشرة مع لوائح الاتحاد الاسباني لكرة القدم الذي أجبره على تخفيض سلم رواتب اللاعبين لكي يتمكن من تسجيل جميع لاعبيه. قواعد الاتحاد الاسباني أجبرت خوان لابورتا على اعلان الفراق مع الأسطورة ليونيل ميسي الذي كان يتقاضى راتبا سنويا يعادل 52 مليون يورو قبل رحيله. ميسي لم يكن الضحية الوحيدة, بل وجد النادي الكتلوني نفسه مجبرا أيضا على التخلي عن خدمات نجمه الفرنسي انطوان جريزمان لصالح المنافس أتلتكو مدريد للتخلص من أعباء أجره المرتفع.
عدم القدرة على اتمام الصفقات
كنتيجة طبيعية للديون وسلم الرواتب المرتفعين, كان من الطبيعي أن تواجه ادارة خوان لابورتا مشكلة في السيولة المالية لاتمام صفقات جديدة.قواعد الاتحاد الاسباني لكرة القدم زادت من مشاكل برشلونة وجعلتها أكثر تعقيدا من خلال عدم السماح للفريق باجراء أي صفقات جديدة قبل التخلص من جزء محدد من الديون الواقعة على النادي وهو ما عقد من مهمة الادارة في اتمام صفقات جديدة لتدعيم صفوف النادي في ظل حاجة الفريق الماسة لبعض اللاعبين في مراكز معينة.
أزمة الثقة
مشاكل برشلونة التي كان يتوجب على لابورتا حلها لم تكن اقتصادية فقط, بل وجد خوان لابورتا نفسه أمام فريق يمر في أزمة ثقة على المستوى الرياضي. برشلونة لم ينجح في اخر موسمين لادارة بارتوميو في تحقيق أي ألقاب تذكر سوى لقب كأس الملك موسم 2020/2021, بينما خسر الفريق لقب الدوري في الموسمين الأخيرين لبارتموميو لصالح ريال مدريد وأتلتكو مدريد على التوالي, كما تعرض للعديد من الخسائر السيئة في دوري أبطال أوروبا في سنوات متتالية زادت من مشاكل برشلونة وجعلت النادي يدخل في فترة فراغ وأزمة ثقة شديدة.
كيف تعامل لابورتا مع مشاكل برشلونة؟
منذ يومه الأول على رأس ادارة النادي الكتلوني, قدم السيد خوان لابورتا وعودا كثيرة لجماهير النادي بأنه سيتمكن من حل مشاكل برشلونة من خلال برنامج عمل مدروس بعناية وخطة اقتصادية محكمة للسيطرة على الأزمات المالية التي يمر بها الفريق. لابورتا قرر التعامل مع مشاكل برشلونة بشكل تسلسلي وطالب الجماهير بالصبر على الفريق واعطائه بعض الوقت لتفنيد جميع الملفات ومحاولة ايجاد الحلول بشكل تدريجي.
تخفيض سقف الأجور
لم يقف لابورتا في بداية ولايته الثانية الصيف الماضي بالقيام بأي صفقات في ظل مشاكل برشلونة المادية, بل كان شغله الشاغل هو القيام بتخفيض معدل رواتب لاعبي الفريق بدرجة كبيرة لتجنب عقوبات الاتحاد الاسباني من ناحية, ولايقاف التزايد المستمر لأجور اللاعبين في برشلونة. لابورتا قرر الاستغناء عن ليونيل ميسي وانطوان جريزمان كما ذكرنا سابقا, كما تم الاتفاق مع العديد من اللاعبين الاخرين على القيام بتخفيض أجورهم العالية بينهم سيرجيو بوسكيتس, جيرارد بيكيه وجوردي ألبا.
عدم تأخير التعاقد مع تشافي هيرنانديز
خوان لابورتا قرر في بداية الموسم الماضي أن يعطي الفرصة للمدرب الهولندي رونالد كومان في البقاء على رأس الادارة الفنية لبرشلونة, لكنه لم يتردد كثيرا في اقالته عندما شاهد مشاكل برشلونة والانهيار المبكر للفريق وخروجه من مسابقة دوري أبطال أوروبا من دور المجموعات مع الابتعاد عن صدارة الدوري بفارق كبير. لابورتا قام بعد ذلك باقالة كومان و تعيين تشافي هيرنانديز مديرا فنيا للفريق. تشافي نجح خلال فترة قصيرة في حل مشاكل برشلونة و تحقيق طفرة في مستوى الفريق.
تشافي تمكن من الصعود ببرشلونة من المركز التاسع في الدوري الاسباني الى المركز الثاني, وهو الذي أنهى به الدوري. على الرغم من عدم تحقيق الفريق لأي بطولات مع نهاية الموسم, كانت جماهير الفريق راضية عن الطريقة التي أنهى الفريق بها الموسم بعد أن كانت البدايات تنذر بموسم أكثر كارثية مما حصل.
سوق الانتقالات الشتوية
مشاكل برشلونة المالية منعت لابورتا من القيام بأي صفقات في بداية ولايته, الا أن فترة سوق الانتقالات الشتوية التي جائت مع منتصف الموسم الماضي شهدت قيام برشلونة بالعديد من الصفقات المهمة لتدعيم صفوف النادي.
لابورتا قام باستقطاب بيير ايميريك اوباميانج من نادي أرسنال الانجليزي مجانا بعد الكثير من الخلافات بين اللاعب الجابوني وفريقه السابق. تشافي هيرنانديز طلب اللاعب خصيصا ولابورتا وجد الفرصة سانحة لاقتناصه دون الحاجة لدفع أي أموال لنادي أرسنال. أوباميانج نجح في تقديم اضافة هجومية كبيرة لبرشلونة وتمكن من أن ينهي الموسم كهداف للفريق على الرغم من لعبه لنصف الجولات فقط.
فيران توريس بدوره وصل الى برشلونة في السوق ذاته قادما من نادي مانشستر سيتي الانجليزي مقابل 50 مليون يورو, وهو رقم كبير سلط الأضواء والضغوطات على اللاعب الاسباني الشاب قبل بداية رحلته مع برشلونة. فيران توريس لم يقدم الأداء المنتظر خلال فترة تواجده مع الفريق الموسم الماضي, الا أنه يحظى بثقة كبيرة من قبل تشافي هيرنانديز.
الفريق الكتلوني قام أيضا باستقطاب داني الفيش في عقد لمدة نصف موسم دون مقابل, كما قام بالتعاقد مع اداما تراوري قادما من وولفرهامبتون الانجليزي على سبيل الاعارة. كل اللاعبين قدم أداءا جيدا في فترات معينة من الموسم مع الفريق, لكنهما لن يبقيان في صفوف الفريق خلال الموسم المقبل.
الرافعات الاقتصادية
في ظل جهوده الكبيرة لحل مشاكل برشلونة المالي, قام خوان لابورتا بتنفيذ مشروع الرافعات الاقتصادية الذي اقترحه على اللجنة العمومية للنادي والذي يقتضي بيع 49% من العلامة التجارية لنادي برشلونة وحقوق البث في صفقة عرفت بال “الرافعات الاقتصادية”.
صفقة الرافعات الاقتصادية أسهمت في حصول نادي برشلونة على مبلغ 750 مليون يورو, وهو رقم يعادل 50% من مجموع ديون النادي الكاتالوني, مما مكن الفريق من التنفس اقتصاديا والخروج من التضييقات التي فرضها عليه الاتحاد الاسباني لكرة القدم من ناحية, والدخول بقوة في صيف الانتقالات الصيفي الحالي بقوة كبيرة.
تدعيم صفوف الفريق
الميركاتو الصيفي الحالي لبرشلونة في 2022 يختلف تماما عن الميركاتو السابق, فالفريق قام بالفعل باجراء العديد من الصفقات كما لا يزال في ضوء المفاوضات من أجل التعاقد مع لاعبين اخرين لتدعيم صفوف الفريق والمنافسة على البطولات بشكل أكبر خلال الموسم المقبل.
الضربة الأكبر على مستوى الميركاتو الحالي بالنسبة لبرشلونة كانت بلا شك اعلان التعاقد قبل أيام قليلة مع المهاجم البولندي روبرت ليفاندوفسكي قادما من بايرن ميونخ الألماني مقابل 50 مليون يورو. ليفاندوفسكي يعتبر المهاجم الأفضل في العالم على مدار السنوات القليلة الماضية رفقة الفرنسي كريم بنزيما مهاجم الغريم ريال مدريد, ويعتبر انضمامه بمثابة حل كبير لمشاكل برشلونة على مستوى التهديف والحسم.
ادارة برشلونة قامت ايضا بالتعاقد مع مدافع تشيلسي كريستينسين في صفقة انتقال حر, كما قامت بتدعيم خط وسط الفريق من خلال استقطاب الايفواري فرانك كيسييه قادما من اي سي ميلان الايطالي مجانا. بالاضافة الى ذلك, دعم الفريق صفوفه في خط الهجوم بالتعاقد مع البرازيلي رافينيا قادما من ليدز يونايتد الانجليزي.
التعاقد مع سبوتيفاي
تعامل لابورتا مع مشاكل برشلونة الاقتصداية كان جليا عندما توصلت ادارة برشلونة الى اتفاق مع شركة التطبيقات الصوتية الأشهر في العالم وهي سبوتيفاي تقوم الشركة بموجبه برعاية النادي الكاتالوني بداية من الموسم المقبل في صفقة ستنعش خزينة النادي الكتلوني بأكثر من 200 مليون يورو. بالاضافة الى ذلك, سيتحصل برشلونة بموجب الاتفاق على حملات اعلانية كثيرة من خلال التطبيق الأشهر عالميا في قطاع الصوتيات. صفقة برشلونة مع سبوتيفاي تم على اثرها تغيير اسم ملعب الكامب نو ليصبح “كامب نو سبوتيفاي”.
هل نجح لابورتا في حل مشاكل برشلونة؟
على الرغم من خروج الفريق خالي الوفاض في الموسم الماضي كما ذكرنا سابقا, كانت جماهير الفريق راضية بشكل عام عن الطريقة التي أنهى الفريق بها الموسم, في ظل رضا عام عن مستوى برشلونة تحت قيادة تشافي هيرنانيدز. ادارة لابورتا كانت ناجحة بشكل كبير ملف تخفيض أجور اللاعبين وتمكنت الادارة من خلال سياسة تقشفية من معالجة الكثير من مشاكل برشلونة في هذا السياق.
وعلى الرغم من قلة السيولة والقدرة الشرائية ومشاكل برشلونة العديدة, لم تقف الادارة مكفوفة الأيدي أمام هذه العقبة, بل حاولت بشتى الطرق محاولة ايجاد الحلول من خلال التعاقد مع الصفقات المجانية الجيدة من ناحية, وتدعيم صفوف الفريق ببعض اللاعبين المؤقتين من ناحية أخرى. صفقات الفريق تحت ادارة لابورتا في فترته الثانية يمكن تصنيفها بالناجحة بشكل عام حتى اللحظة. على مستوى تخفيض الديون ومحاولة تحسين الوضع الاقتصادي للنادي, فلا بد من الاعتراف أن صفقة الرعاية الجديدة مع شركة سبوتيفاي وعملية بيع 49% من العلامة التجارية للنادي وحقوق البث ساهمت بشكل كبير في انعاش خزائن الفريق.
هل يتمكن لابورتا من حل مشاكل برشلونة بشكل تام؟
على الرغم من ايجاده للعديد من الحلول لمشاكل برشلونة, يعلم لابورتا جيدا أن الطريق ما زال طويلا, وأن هناك العديد من التحديات الادارة, الاقتصادية والرياضية الأخرى التي يجب عليه النظر فيها بشكل مفصل ومحاولة ايجاد المزيد من الحلول لاعادة النادي الى عهد الانجازات والبطولات التي اعتادت جماهير برشلونة على الاحتفال بها.
مشاكل برشلونة فيما هو قادم من فترات الموسم ستتمثل في تخفيض أجور لاعبي الفريق بشكل أكبر, وهو ما تحاول الادارة القيام به من خلال عدم تجديد عقود اللاعبين المتقدمين في السن الذين يتقاضون أجورا عالية, واستبدالهم بلاعبين يقبلون بتقاضي رواتب أقل مع الحفاظ على أفضل جودة ممكنة.
تعاقدات لابورتا حلت الكثير من مشاكل برشلونة على المستوى الهجومي, الا أن الفريق ما زال بحاجة الى الكثير من التدعيمات على مستوى خط الدفاع. التعاقد مع كريستينسن ليس بالتدعيم الكافي, فهو كان مدافعا احتياطيا في تشيلسي في النهاية. بالاضافة الى ذلك, يعاني برشلونة من تراجع مستوى الأظهرة اليمنى واليسرى على حد سواء, وبشكل عام لا يلقى أي مدافع في صفوف الفريق اشادة جماهير الفريق حاليا سوا رونالدو اراوخو. ادارة الفريق تسعى حاليا للتعاقد مع مدافع اشبيلية كوندي, لكنها تلقى منافسة شديدة من تشيلسي.
التعاقد مع كيسييه هو حل جيد على مستوى خط الوسط, الا أن الانتقال المحتمل لفرينكي دي يونج خلال الأيام القليلة المقبلة لصفوف مانشستر يونايتد قبل يزيد من مشاكل برشلونة على مستوى خط الوسط, وفي حال حدوث ذلك قد تجد الادارة نفسها مجبرة على التعاقد مع لاعب خط وسط اخر قبل نهاية سوق الانتقالات الصيفي الحالي وبداية الموسم المقبل.
للمزيد من أخبار الرياضة والمقالات الرياضية, تابع أخبار العراق.