أرغمت الضربات الإسرائيلية والضغوط الداخلية والخارجية أحمد الشرع على إخراج قواته من السويداء، معقل الدروز في جنوب سوريا، بعد اشتباكات أودت بالمئات، في خطوة هدفت الى سحب فتيل التصعيد لكنها ستنعكس على نفوذ الرئيس الانتقالي، بحسب محللين.
وفي خطاب ألقاه فجر الخميس، برّر الشرع قراره برغبته في تجنّب المواجهة مع اسرائيل التي يتهمها بالعمل منذ سقوط بشار الأسد أواخر عام 2024، على زعزعة استقرار بلاده الساعية للتعافي من تداعيات النزاع الذي بدأ في 2011.
فما هي العوامل التي أملت على الشرع الانسحاب من السويداء، وهل تقوّض أعمال العنف المتكررة مساعيه لفرض سيطرته على كامل التراب السوري؟
– ضغوط دولية –
أشاد الشرع في خطابه الخميس بـ”التدخّل الفعّال للوساطة الأميركية والعربية والتركية التي أنقذت المنطقة من مصير مجهول” بعيد غارات اسرائيلية على مقر هيئة الأركان ومحيط القصر الرئاسي في دمشق.
بعد أربعة أيام من أعمال العنف في محافظة السويداء التي أودت بنحو 600 قتيل، أعربت واشنطن عن موقف حازم، داعية قوات الحكومة السورية إلى الانسحاب من منطقة النزاع في جنوب البلاد بهدف تهدئة التوتر مع اسرائيل.
يعتبر الباحث السياسي المتخصص في الدراسات السورية والإسرائيلية في جامعة تورنتو الكندية جمال منصور أن “الانسحاب فُرِض على السلطات في ظل عدم توازن القوى” مقارنة مع إسرائيل.
ويضيف أن “الأميركيين ضغطوا بهذا الاتجاه والإسرائيليين ضغطوا بهذا الاتجاه، فتراجعت السلطة مرغمة نتيجة أن موقفها بالسويداء لم يكن بهذه القوة ولم تكن قادرة على الاحتفاظ بالأرض بالسويداء دون ثمن عال جدا يفرض عليها تدخلا إسرائيليا ثانيا”.
– التهديدات الاسرائيلية –
أقرّ الشرع بأنّ خياراته كانت محدودة لتجنّب “الحرب المفتوحة” مع اسرائيل.
وبعد دخول القوات الحكومية إلى محافظة السويداء، شنّت اسرائيل غارات واسعة على المحافظة وعلى مقرّ هيئة الأركان في دمشق وقرب القصر الرئاسي.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إن “وقف إطلاق النار” في سوريا “انتزع بالقوة، لا من خلال المطالب أو الاسترحام”.
وأمام الضغط العسكري الاسرائيلي، يقول مصدر دبلوماسي غربي لفرانس برس شرط عدم كشف هويته إن “الشرع مدرك للوضع وهو واقعي”، وهو “يعرف أن سوريا في موقع ضعيف وأن الخيار الأفضل هو التوصل لاتفاق مع الاسرائيليين”.
ويعتبر مسؤول ملف العراق وسوريا ولبنان في مجموعة الأزمات الدولية هايكو فيمن أن تراجع الشرع بعد الهجمات الاسرائيلية يعني أنه “يخطو خطوة إضافية نحو قبول واقع مفاده أن إسرائيل تعرض قوتها على أعتاب دمشق”.
منذ توليه السلطة الانتقالية عقب إطاحة الأسد، أكد الشرع أن سوريا لا ترغب في تصعيد أو صراع مع جيرانها.وأقرّت السلطات السورية بوجود مفاوضات غير مباشرة مع اسرائيل التي تحتلّ أجزاء واسعة من هضبة الجولان وتوغلت في مناطق جديدة خلال الأشهر الماضية، تتمحور حول الوضع الأمني.
ويرى منصور أن أحداث السويداء “لن تؤثر على مسار التفاوض”، لكنها “تضع اسرائيل في موقع أفضل وبشروط تفاوضية أكثر قوة”.
في ما يتعلق بالحسابات الإسرائيلية مع سوريا، يستبعد المصدر الدبلوماسي التوصل إلى اتفاق مشابه لاتفاقيات الابراهيمية، لكنه يرى أنه يمكن للدولة العبرية التوصل إلى ترتيب أمني مع سوريا بشروط مناسبة لها.
– الضغوط الداخلية –
بعد 14 عاما من النزاع، يريد الشرع أن يبقي قاعدته الشعبية التي عانت جراء القمع والنزوح خلال فترة حكم الأسد راضية، مع حرصه على أن يبقي البلاد موحدة في الوقت نفسه.
لكن الأحداث التي حصلت في السويداء وبقاء المحافظة نتيجة لها خارج سلطته الأمنية، قوّضت تلك المساعي التي تلقّت ضربة إثر أعمال العنف ذات الطابع الطائفي التي طالت الأقلية العلوية وأسفرت عن مقتل أكثر من 1700 شخص.
وفرضت تلك الأحداث شكوكا إزاء قدرة الشرع على ضبط فصائل مختلفة، بينها مجموعات جهادية متشددة تثير قلق المجتمع الدولي وطالبت واشنطن الشرع بدعوتها الى المغادرة.
ويشرح منصور أن ما حصل “يكشف ضعف سلطة الشرع”، مشيرا إلى أن “التحدي بالنسبة له هو قدرته على مدى ترسيخ سلطته وقيادته ضمن إطار فصائل ليست غير متماهية (…)وأن يضبط الجهاز الأمني”.
في الوقت نفسه، لا يزال الأكراد في شمال شرق البلاد متمسكون بإدارتهم الذاتية ويطالبون بحكم لامركزي.
وحضّ المسؤول الكردي البارز بدران جيا كورد الحكومة الانتقالية على “مراجعة” نهجها في التعامل مع المكونات السورية بعد أحداث السويداء.
وفي ضوء تلك الأحداث، بات موقف الأكراد أكثر قوة كما يرى فيمن. ويقول إن “فكرة دمج شمال شرق سوريا أصبحت الآن موضع شك كبير”، فقد أعطت دمشق للأكراد “العديد من الأسباب ليكونوا حذرين جدا من أي شكل من أشكال الاندماج”.
بور-ناد-لو/كام
Agence France-Presse ©