يواجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اختبارا صعبا قد يقوّض الثقة بأدائه، في ظل فضيحة فساد كبرى تطال أحد معاونيه الرئيسيين في قطاع الطاقة، بموازاة تزايد الاتهامات للرئاسة الأوكرانية باستخدام القضاء لترهيب المعارضين.
وقد عُلقت مهام وزير العدل جيرمان غالوشينكو الذي تولى حقيبة الطاقة سابقا، الأربعاء بعدما وجهت النيابة العامة الأوكرانية إليه تهمة التعاون مع أحد أبرز حلفاء زيلينسكي المتهم بتدبير مخطط للحصول على رشاوى بمئة مليون دولار من قطاع الطاقة.
وبعد ظهر الأربعاء، دعاه زيلنسكي إلى الاستقالة مع وزيرة الطاقة الحالية.
وقال في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي إن “وزير العدل ووزيرة الطاقة لا يمكن أن يبقيا في منصبيهما”، مؤكدا أن من “غير المقبول إطلاقا استمرار بعض (مخططات) الفساد في قطاع الطاقة” في وقت يعاني فيه الأوكرانيون من انقطاعات يومية للكهرباء جراء الهجمات الروسية.
وبينما ينفي غالوشينكو ارتكاب أي مخالفات، أثارت الفضيحة غضبا واسعا في كييف في ظل التدهور الحاد في التغذية بالتيار الكهربائي في البلاد تحت وطأة الهجمات الروسية مع اقتراب فصل الشتاء.
تأتي هذه التحديات في وقت حرج لزيلينسكي الذي ظل يتمتع بشعبية واسعة منذ غزو روسيا عام 2022، مع تقدم قوات موسكو شرقا.
كما يُظهر ذلك مدى التعقيدات التي تواجهها أوكرانيا في ظل ضرورة تعزيز السلطة المركزية لإدارة الحرب، والمضي قدما في الإصلاحات الديموقراطية الأساسية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وقد وُجهت اتهامات لفريق زيلينسكي باستغلال النظام القضائي لترهيب المنتقدين، وآخر الدلائل على ذلك بحسب منتقديه، توقيف فولوديمير كودريتسكي الذي ترأس شركة الطاقة الوطنية “أوكرينيرجو” حتى عام 2024، الشهر الماضي بتهمة الاختلاس.
ينفي كودريتسكي وأنصاره هذه الادعاءات معتبرين أن هدفها الاقتصاص منه لانتقاده استراتيجية أوكرانيا في حماية شبكة الطاقة من الهجمات الروسية.
وقال كودريتسكي الذي أُفرج عنه بكفالة، لوكالة فرانس برس “الأمر سياسي بحت. ما كان ذلك ليحدث من دون تدخل المكتب الرئاسي”، معتبرا أن السلطات تريد “أن تُظهر ما يمكن أن يحصل لكل من يخوض في المسائل الحساسة”.
– أدلة “واهية للغاية” –
نجح كودريتسكي في كسب تأييد بعض الشخصيات البارزة.
قال رومان واشوك، وهو أمين مظالم في قطاع الأعمال، إن الأدلة “تبدو واهية للغاية”، محذّرا من “استهداف موجه ضد أشخاص لمجرد قيامهم بمهامهم المؤسسية الاعتيادية”.
ووضعت النائبة المعارضة إينا سوفسون في تصريحات لوكالة فرانس برس، ما يحصل في هذا الإطار ضمن استراتيجية استخدام التحقيقات الجنائية لإسكات المعارضين.
وردا على سؤال لوكالة فرانس برس عن القضية الأسبوع الماضي، قال زيلينسكي إن الأمر بيد القضاء، لكن كودريتسكي “كان رئيسا لنظام كبير، وكان على هذا النظام تأمين الطاقة التي نحتاج إليها. كان عليه أن يفعل ذلك”.
وترتدي الاتهامات الموجهة لكييف بالتقصير في حماية منشآت الطاقة في البلاد من الهجمات الروسية حساسية كبيرة.
ومن القضايا المرفوعة أمام القضاء أيضا فضيحة فساد ضخمة يُتهم بالتورط فيها تيمور مينديتش، الشريك في ملكية شركة الإنتاج التي أسسها الرئيس.
وقد حاول مكتب زيلينسكي هذا الصيف ضرب استقلالية الهيئتين المسؤولتين عن التحقيق في القضية وملاحقتها قضائيا، وهما المكتب الوطني لمكافحة الفساد ومكتب المدعي العام المتخصص في مكافحة الفساد.
يمثل هذا الوضع تحديا للاتحاد الأوروبي الذي يدعم مساعي أوكرانيا للانضمام إلى صفوفه لكنه يضغط عليها للمضي قدما في الإصلاحات الديموقراطية لبلوغ هذا الهدف.
منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، شهدت أوكرانيا فضائح فساد، فيما تُشكل الرشوة ومخالفة القانون نقاط ضعف رئيسية في مساعي كييف للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
في حين أشادت بروكسل بالتقدم المحرز منذ ثورة 2014، ذكرت في أحدث تقرير لها أن “نزاهة وكفاءة وقدرات القضاء والنيابة العامة لا تزال ضعيفة”.
– “الناس خائفون” –
وأشار ناشطون أيضا إلى قضايا أخرى. فقد وُجهت اتهامات بالفساد في وقت سابق من هذا العام إلى سلف زيلينسكي ومنافسه السياسي بيترو بوروشينكو، في خطوة ندد بها الأخير معتبرا أن دوافعها سياسية.
وقد جُرّد رئيس بلدية أوديسا غينادي تروخانوف من جنسيته الأوكرانية بسبب اتهامات بحيازته جواز سفر روسي، وهو ما نفاه تروخانوف.
حتى أن البعض رأوا في الأمر محاولة من مكتب زيلينسكي لتشديد السيطرة على منطقة تديرها المعارضة.
ولا يزال أحد محققي المكتب الوطني لمكافحة الفساد، رسلان ماغاميدراسولوف، رهن الاحتجاز بتهمة مساعدة دولة معتدية، على خلفية ما نُسب له من اتهام بالتعامل التجاري مع روسيا.
ويقول مؤيدوه إن هذه القضية لُفّقت له بسبب عمله في التحقيق في الفضيحة التي كُشفت هذا الأسبوع.
وجرى اعتقال موظفين آخرين في المكتب الوطني لمكافحة الفساد أو تفتيش منازلهم، ما زاد الضغط على الوكالة.
وقال رئيس المكتب سيمين كريفونوس لوكالة فرانس برس “بعض الناس خائفون. ولكن إن كنت تتحدث عن الطاقم العام في المكتب الوطني لمكافحة الفساد، فإن معظمهم متحمسون للغاية”.
برو/جك/خلص/ع ش
Agence France-Presse ©





