لاقت النكات حول الجنس والألفاظ البذيئة استحسان الجمهور السعودي في مهرجان الرياض للكوميديا، لكن المؤدّين الأجانب تعرضوا لانتقادات لمشاركتهم في نشاط بالمملكة، على خلفية سجلها في مجال حقوق الانسان.
وأثار الحدث جدلا واسعا في عالم الكوميديا الارتجالية، وانتقادات لفنانين يدافعون عن حرية التعبير في الغرب، بينما يقدمّون عروضا في بلاد تنتقدها المنظمات الحقوقية.
وأقيم مهرجان الرياض للكوميديا ضمن سلسلة من النشاطات في المملكة المحافظة تقليديا، لكنها تشهد منذ أعوام انفتاحا في مجالات عدة منها السياحة والترفيه، في إطار “رؤية 2030” الهادفة الى تنويع مصادر الدخل الاقتصادي المرتكز على النفط.
ولاقى المحتوى الذي قدمه الكوميديون، وكسر محظورات اجتماعية، استحسان السعوديين الذين ملأت ضحكاتهم المكان.
وقال مغني الراب الشهير جيف روس أثناء صعوده على المسرح أمام حشد غفير “هل يمكنني قول كلام بذيء؟ هل هذا مسموح به هنا؟”، ليردّ عليه حاضرون بالقول “قل كلاما بذيئا”.
ولاحقا، سأل الأميركي المعروف بنقده اللاذع “هل من نجوم أفلام إباحية بين الحضور؟”. ساد الصمت، قبل أن يشير روس الى أحد الحاضرين قائلا “اشرحوا له النكتة، لا يمكنه دخول المواقع الإباحية” المحظورة في السعودية.
وأضاف بعد دعابة جنسية عن ملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث الثانية وزوجها الأمير فيليب “ماذا سيفعلون؟ هل سيطردونني؟ أنا هنا لعرض واحد فقط”.
وشارك روس الى جانب كوميديين بارزين مثل دايف شابيل وكيفن هارت وراسل بيترز وبيل بور، وآخرين يجاهر بعضهم بمثليته الجنسية، والتي تصل عقوبتها في السعودية الى الإعدام.
وقال طالب الطب السعودي عبد العزيز رحمن (24 عاما) إن ما أعجبه في العرض هو تخطيه لـ”المحظورات”.
وقال “أحببت العرض! لم تكن هناك أي محظورات. ناقشوا الجنس ومواضيع لم نعتد سماعها علنًا في السعودية”، مضيفا “كان الأمر محفزا للغاية”.
– “أمر بغيض” –
قبل أعوام، لم يكن بالامكان تصوّر أن تستضيف السعودية عملا مماثلا. الا أن المملكة شهدت تحولات اجتماعية كبيرة، من السماح للنساء بقيادة السيارات وتعزيز مشاركتهن في الحياة العامة، إلى إقامة مهرجانات فنية وسينمائية ومشاريع سياحية واستقطاب الزوار.
لكن هذه المناسبات تقابلها اتهامات من منظمات حقوقية دولية بأن المسؤولين في السعودية يستخدمون المال لتلميع صورة المملكة.
ولم يكن مهرجان الكوميديا استثناء.
وعارضت أسماء بارزة المشاركة، إما عبر رفض تقديم عروض في السعودية أو انتقاد زملائهم الذين قاموا بذلك.
كان مارك مارون وديفيد كروس من بين أبرز الأصوات التي هاجمت بعض أصدقائهم المقربين لقبولهم المشاركة، متهمين إياهم بالخضوع للرقابة لأجل المال.
وكتب كروس في رسالة مفتوحة “أشعر بالاشمئزاز وخيبة أمل عميقة من هذا الأمر البغيض. أن يتغاضى أشخاص أحترمهم، ذوو موهبة لا تُضاهى، عن هذه الإقطاعية الاستبدادية من أجل… ماذا، منزل رابع؟ قارب؟ المزيد من الأحذية الرياضية؟”.
وكشف تيم ديلون، وهو كوميدي ومُذيع أميركي، إن عرضه في المهرجان ألغي بعدما أدلى بتعليقات حول ممارسات غير مشروعة بحق العمّال في السعودية.
وقال في إحدى حلقات برنامجه “في بلادي حيث أتمتع بحرية التعبير وقول ما أريد، سأكون مرحا وأكون على سجيتي. لن تتمكنوا من شراء ذلك” بالمال.
– “مشاعر متضاربة” –
في المقابل، دافع آخرون عن المشاركة، ومنهم لويس سي كيه الذي قال خلال مقابلة تلفزيونية الجمعة إنه يعتزم زيارة نادٍ كوميدي في الرياض.
أضاف “أعتقد أن الكوميديا وسيلة رائعة للانخراط والتحدث”، كاشفا أن المنظمين وضعوا شرطين للمشاركين هما عدم انتقاد الدين أو الحكومة.
وأقر الكوميدي الأميركي بأنه لا ينبغي تجاهل الانتقادات أيضا. وأضاف “متى تكون مراضيا؟ ومتى تكون مُتفاعلا؟ لديّ مشاعر متضاربة حيال ذلك أيضا”.
ودافع الكوميدي الأميركي بيت ديفيدسون، وهو نجل رجل إطفاء قضى في هجمات 11 أيلول/سبتمبر التي شارك فيها سعوديون، عن قراره بالمشاركة.
أما جيسيكا كيرسون، وهي مثلية، فأكدت أنها ندمت على الغناء في الرياض، وتبرعت بعائدات ذلك لمنظمة حقوقية.
ورأى بعض السعوديين في الانتقادات ازدواجية في المعايير.
وقال محمد شعلان (31 عاما)، وهو موظف في مصرف، لفرانس برس “هل يُطلب من الفنانين التوقف عن الغناء في الولايات المتحدة بسبب غوانتانامو؟”.
أضاف “لماذا لا يمكننا حضور فنانينا الكوميديين المفضلّين على المسرح؟”.
س ص-دس/هت/كام
Agence France-Presse ©