اتفق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الأربعاء خلال اجتماعهما في داونينغ ستريت على تحقيق “تقدم ملموس” في مكافحة الهجرة غير النظامية عبر المانش، وهي قضية لطالما اثارت توترا بين البلدين.
غداة بدء زيارة الدولة الأولى له إلى المملكة المتحدة، تطرقت محادثات ماكرون وستارمر إلى التعاون في قضايا سياسية تتعلق بالأمن والدفاع ودعم اوكرانيا والاستثمارات والهجرة غير النظامية.
وبعد اللقاء، ذكر داونينغ ستريت في بيان أن الزعيمين “يسعيان إلى تحقيق تقدم ملموس في هذه المجالات” خلال قمة من المقرر أن تُعقد الخميس بمشاركة نحو 12 وزيرا من الجانبين.
عبر أكثر من 21 ألف مهاجر قناة المانش في قوارب صغيرة من أوروبا منذ مطلع العام 2025، وهو رقم قياسي جديد، في حين وعد رئيس الوزراء العمالي الذي تولى السلطة قبل عام بـ”استعادة السيطرة على الحدود”.
واضاف بيان الحكومة أن رئيس الوزراء البريطاني أطلع الرئيس الفرنسي على الإجراءات التي اتخذتها حكومته منذ توليها السلطة ضد العمالة غير الشرعية مع “ارتفاع كبير في عدد التوقيفات” للحد من “الوعود الكاذبة بتوفير فرص عمل والتي يتم استخدامها (من المهربين) لبيع أماكن على متن القوارب”.
واشارت باريس مرارا إلى ان فرص العمل غير القانوني تجعل البلاد جذابة بشكل خاص.
وعلى الرغم من المبالغ التي تتلقاها من لندن لتمويل جزء من تأمين الحدود، تُتهم فرنسا بالتقصير في بذل الجهود الكافية للحد من الهجرة غير النظامية.
وذكر تقرير برلماني بريطاني أن لندن قدمت أكثر من 750 مليون يورو منذ العام 2018 لتمويل تأمين الحدود.
– حلول مبتكرة –
وبحسب داونينغ ستريت فإن ماكرون وستارمر “اتفقا على ضرورة إيجاد حلول جديدة مبتكرة، تتضمن إجراء ردع جديدا لكسر النموذج الاقتصادي لشبكات تهريب البشر”، بدون ان يحدد ماهيته.
وتتناول المحادثات بين البلدين بشكل خاص مشروعا تجريبيا يقضي بتبادل المهاجرين وفق “مبدأ واحد مقابل واحد”، بحسب عدة مصادر.
وبالتالي تستقبل المملكة المتحدة مهاجرين معينين، من “الفئات الضعيفة” بحسب مصدر فرنسي، وتعيد في المقابل الوافدين عبر القوارب إلى فرنسا.
ولدى وصوله إلى داونينغ ستريت، قال ماكرون “تمثل زيارة الدولة هذه والقمة فرصة فريدة في هذه الأوقات الصعبة للعمل معا بشأن أوكرانيا و (…) تحقيق تقدم كبير في الدفاع والأمن والتكنولوجيا”، من دون أن يتطرق إلى قضية الهجرة.
– المتحف البريطاني –
وبعد الاجتماع، توجه الزعيمان بصحبة عقيلتيهما لزيارة المتحف البريطاني حيث تم توثيق وإضفاء الطابع الرسمي على اتفاق إعارة مُطرّزة بايو الشهيرة التي تعود إلى القرن الحادي عشر، وتُجسّد غزو إنكلترا سنة 1066 بقيادة دوق النورماندي وليام الفاتح.
شكر ستارمر “صديقه” ماكرون على “مبادرته الرائعة” بإعارة المطرزة التي ستُعرض في المتحف البريطاني بين أيلول/سبتمبر 2026 وحزيران/يونيو 2027، وفي المقابل، سيعير المتحف البريطاني فرنسا قطعا أثرية من بينها عناصر من كنز “ساتون هو” أحد أبرز مقتنيات المتحف.
وأضاف “أنها حقا قطعة تاريخية رائعة”.
ورد ماكرون بالقول “إنها ليست مجرد إعارة، بل تبادل رائع”.
وكان الرئيس الفرنسي وزوجته بريجيت غادرا قصر ويندسور، الواقع على بُعد نحو ثلاثين كيلومترا من لندن، بعد زيارة قبر الملكة إليزابيث الثانية التي توفيت في العام 2022.
وتُعد زيارة الدولة هذه أول زيارة لرئيس فرنسي إلى المملكة المتحدة منذ زيارة نيكولا ساركوزي في العام 2008، وأول زيارة لرئيس دولة من الاتحاد الأوروبي منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 2020.
وأحيا البلدان علاقاتهما في العام 2023 بعد التوتر الناجم عن بريكست، خلال زيارة دولة قام بها ملك إنكلترا وقمة جمعت بين ماكرون ورئيس الوزراء ريشي سوناك آنذاك في فرنسا، معلنين بذلك بداية عهد جديد من “الصداقة الودية” على غرار “الوفاق الودي” الذي أُبرم في العام 1904.
وألقى ماكرون بعد ظهر الثلاثاء خطابا أمام البرلمان في قصر ويستمنستر في ما يعد “شرفا استثنائيا”، تعهّد فيه بتحقيق نتائج “ملموسة” خلال زيارته، خصوصا في مجالات التعاون في المجالين الاقتصادي والدفاعي ومكافحة الهجرة غير النظامية التي تمثل مصدر توتر بين البلدين.
ويعتزم البلدان الجاران تعزيز تعاونهما الدفاعي الذي رسّخته اتفاقات لانكستر هاوس عام 2010، والتي تشمل التعاون في المجال النووي وإنشاء قوة تدخل مشتركة وتصنيع مشترك للصواريخ.
وعقد ماكرون صباح الأربعاء اجتماعا مع روّاد أعمال وعلماء في “إمبريال كوليدج لندن” لمناقشة التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي.
واعتبر أن المملكة المتحدة وفرنسا “تتصدران السباق في أوروبا لكنهما تتخلفان عن الولايات المتحدة والصين”.
واكد أن الشراكة بين البلدين “أمر حاسم، لأننا نواجه التحديات نفسها”.
فل/ماش-ريم/ب ق
Agence France-Presse ©