تدخل الحرب في السودان مرحلة تنذر بأن تعمّق النزاع في بلاد تعاني النزوح والمجاعة وانتشار الأمراض، بعد عامين من القتال في أنحاء واسعة من البلاد.
خلال الأسابيع الماضية، حققت قوات الدعم السريع تقدما باتجاه الفاشر التي تحاصرها منذ أكثر من عام، وهي المدينة الرئيسية الوحيدة في دارفور التي ما زالت تحت سيطرة الجيش.
وفي حال سيطرت قوات الدعم السريع على الفاشر، ستُحكم بذلك قبضته على الإقليم الشاسع في غرب البلاد، بالإضافة إلى أجزاء كبيرة من شمال وجنوب كردفان. في المقابل، يسيطر الجيش على ولايات شمال ووسط وشرق البلاد، ما ينذر بتقسيمها بين طرفي الحرب.
في الأشهر الأخيرة كثّفت قوات الدعم السريع هجماتها في دارفور وكردفان، بعدما أخرج الجيش مقاتليها من مدن حيوية في وسط البلاد بينها الخرطوم في النصف الأول من العام الجاري.
في المقابل، تقدمت قوات الدعم ميدانيا في بعض مدن شمال وجنوب كردفان، وعززت سيطرتها في دارفور.
في ما يأتي أبرز التطورات الميدانية في الحرب التي أسفرت عن عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 12 مليون شخص، وتسببت بوضع إنساني تعتبره الأمم المتحدة أسوأ أزمة جوع ونزوح في العالم.
– دارفور وحصار الفاشر –
تقدمت قوات الدعم السريع تجاه مواقع استراتيجية في الفاشر بحسب لقطات للأقمار الاصطناعية نشرها مختبر البحوث الإنسانية (هيومانيتاريان ريسيرش لاب) في جامعة ييل الأميركية.
وتظهر اللقطات اقتراب مقاتلي الدعم السريع من مطار الفاشر الذي أصبح قاعدة للجيش.
وقال الخبير السوداني مهند النور من معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط لوكالة فرانس برس “إذا نجحت قوات الدعم السريع في السيطرة على المقر الرئيسي (للجيش ويقع قرب المطار) فقد يعني ذلك بسط سيطرتها الكاملة على المدينة”، مبديا خشيته من “كارثة مروعة، حيث قد تُرتكب جرائم فظيعة”.
تحاصر الدعم السريع منذ أيار/مايو 2024 نحو 260 ألف شخص داخل الفاشر باتوا يقتاتون على العلف الحيواني لندرة الطعام.
وأفادت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في السودان وشهود عيان بتعرض المدنيين للقتل أو الخطف أو العنف الجنسي أثناء محاولتهم الفرار.
وأعلنت الأمم المتحدة المجاعة في مخيمات اللاجئين المحيطة بالفاشر، كما تشهد المدينة تفشيا لعدوى الكوليرا.
تسيطر قوات الدعم السريع منذ نيسان/أبريل الماضي على مخيم زمزم للاجئين قرب الفاشر الذي تحول إلى قاعدة للمقاتلين الأجانب بحسب مسؤول سابق في المخيم. وتحذر الأمم المتحدة من أن المخيم خلا تقريبا من النازحين.
توغلت قوات الدعم السريع داخل مخيم أبو شوك في شمال الفاشر وسيطرت على أجزاء واسعة منه، فيما حذرت الأمم المتحدة من فرار 90 في المئة من سكانه.
أثناء احتماء نازحين فروا من مخيم أبو شوك بمسجد في الفاشر، أودى هجوم بطائرة مسيرة للدعم السريع بحياة 75 شخصا بداية الأسبوع الجاري.
وفي جنوب دارفور الواقعة بالكامل تحت سيطرتها، أعلنت قوات الدعم السريع من نيالا عاصمة الولاية، تشكيل حكومة موازية لإدارة مناطق سيطرتها.
يتهم الجيش الإمارات بتزويد الدعم السريع بالأسلحة والطائرات المسيرة عبر مطار نيالا الذي استهدفه بضربات جوية. وتنفي أبو ظبي تلك الاتهامات.
– هجمات في كردفان –
تضم ولايات كردفان التي تغطي مساحة واسعة من جنوب السودان حقول نفط وأراضي زراعية وطرقا لتهريب الوقود.
في تموز/يوليو شهدت مدينة بارا في شمال كردفان إحدى أعنف هجمات قوات الدعم السريع، اذ قتل مئات المدنيين في سلسلة اعتداءات على قرى متجاورة.
لكن في الأسبوع الماضي، سيطر الجيش على مدينة بارا ما يحول دون إمساك الدعم السريع بالطريق الرابط بين الخرطوم ودارفور عبر كردفان.
تحاول قوات الدعم السريع استئناف الحصار الذي كسره الجيش على الأبيض، عاصمة شمال كردفان، بداية العام الجاري. وكانت الدعم السريع تحاصر المدينة منذ بداية الحرب عام 2023.
في جنوب كردفان، تحاصر قوات الدعم السريع وحليفتها الحركة الشعبية لتحرير السودان العاصمة كادوغلي ومدينة ديلينغ، محتجِزين نحو نصف مليون مدني داخل المدينتين.
تستهدف قوات الدعم السريع البنية التحتية النفطية، اذ قصفت محطة هيغليغ لتكرير النفط الشهر الماضي، ما يؤثر على حركة تصدير مادة توفر دخلا أساسيا للحكومة السودانية المتحالفة مع الجيش.
وتحذر مصادر إغاثية من ارتفاع حاد في أسعار الغذاء وانتشار سوء التغذية خاصة بين الأطفال، وعدم قدرة الكثير من السكان على تحمل نفقات مواد أساسية مثل الأرز والزيت والسكر.
– هدوء هش في الخرطوم –
في آذار/مارس أطلق الجيش عملية عسكرية موسعة استهدفت إخراج الدعم السريع من العاصمة، وفي أيار/مايو أعلن “اكتمال تطهير كامل ولاية الخرطوم” بما في ذلك أم درمان وبحري.
خلال الأشهر الماضية أطلقت الحكومة حملة لإعادة إعمار الخرطوم وتأهيل البنية التحتية وبينها المستشفيات والمدارس وشبكات الاتصالات، لتعود الحكومة إلى الخرطوم في خطوة رمزية لتقدم الجيش.
لكن الهدوء في الخرطوم ما زال هشّا، إذ شهدت العاصمة هجمات للدعم السريع استهدفت منشآت عسكرية ومدنية الشهر الجاري، وقصفا مدفعيا قبل أشهر.
وفي أيار/مايو، هاجمت الدعم السريع بورتسودان على ساحل البحر الأحمر في الشرق، ما تسبب بأضرار في البنية التحتية في المدينة التي بقيت في منأى عن الحرب حتى ذلك الحين.
وبورتسودان هي المقر الموقت للحكومة التابعة بالجيش، وانتقلت إليها المنظمات الدولية والبعثات الدبلوماسية.
بور-معف/لم/كام
Agence France-Presse ©