اعتاد الرئيس القومي البولندي كارول نافروتسكي الإدلاء بمواقف مناهضة لألمانيا، لكنه يزور الثلاثاء برلين في مرحلة دقيقة تحتاج فيها وارسو دعم حلفائها السياسي والعسكري بعد انتهاك مسيّرات قالت إنها روسية، مجالها الجوي.
ويلتقي الرئيس البولندي نظيره الألماني فرانك-فالتر شتاينماير والمستشار فريدريش ميرتس، قبل أن يتوجه إلى العاصمة الفرنسية.
وشغل نافروتسكي سابقا منصب مدير معهد الذاكرة الوطنية المكلف ملاحقة الجرائم النازية والشيوعية، وقد اتهم ألمانيا في مناسبات عدة باعتبار بولندا “شريكا صغيرا” و”اقتصادا رديفا”، أو بإعادتها مهاجرين إليها.
ووفاء بتعهدات قطعها خلال حملته الانتخابية، قد يطالب الرئيس الجديد الذي تولى منصبه في آب/أغسطس، برلين بتعويضات عن الجرائم المرتكبة خلال الحرب العالمية الثانية، وهو موقف لا تشاركه فيه الحكومة البولندية المؤيدة لأوروبا برئاسة دونالد توسك.
وقُتل نحو ستة ملايين بولندي، من بينهم ثلاثة ملايين يهودي، خلال الحرب.
وقال نافروتسكي في الأول من أيلول/سبتمبر خلال إحياء ذكرى اندلاع الحرب بين البلدين إن وارسو “بحاجة إلى العدالة والحق والعلاقات الواضحة مع ألمانيا، ولكنها أيضا بحاجة إلى تعويضات من الدولة الألمانية”.
ورأى المحلل فويتشك برزيبسكي أن نافروتسكي قد يعمد الى توظيف زيارته لغايات سياسية داخلية من خلال مواقف تلاقي ميول ناخبيه المناهضين لألمانيا.
وفي العام 2022، قدّرت الحكومة البولندية القومية آنذاك خسائر البلاد في الحرب العالمية الثانية بـ1300 مليار يورو.
لكن وفقا لبرلين، تخلت بولندا عن مطالبها بالتعويضات في العام 1953 بضغط من الاتحاد السوفياتي. وسبق لبرلين أن ساقت الحجج ذاتها إزاء مطالب التعويض التي أثارتها اليونان.
– أشكال أخرى من التعويض –
في العاصمة الألمانية، أكد المتحدث باسم الحكومة شتيفان كورنيليوس الجمعة ان المستشار ميرتس “أخذ علما بتصريحات” نافروتسكي، مؤكدا أن “موقف الحكومة تجاه هذه القضية لم يتغير”.
وكان كورنيليوس أكد في حزيران/يونيو بعيد فوز ناوروتسكي بالرئاسة، أن الموقف الألماني لا يعني أن “قضايا الذاكرة والتصالح مع الماضي قد طويت”، لكن يجب أن تأخذ شكلا غير التعويضات المالية.
من جهته، يعتبر وزير الخارجية البولندي رادوسلاف سيكورسكي أن برلين لن تدفع تعويضات مالية مطلقا، وعلى وارسو التكيف مع ذلك لصالح العلاقة الثنائية البولندية-الألمانية.
الا أنه رأى أن المطالبة بالتعويضات تبقى مشروعة، وألمح أخيرا الى أن برلين يمكن أن تقوم ببادرة عبر الاستثمار بشكل أكبر في الدفاع عن بولندا، الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، والتي تتشارك حدودا مع أوكرانيا وبيلاروس، ومع روسيا عبر جيب كاليلينغراد.
وسبقت تصريحات سيكورسكي إعلان بولندا أن نحو عشرين مسيّرة روسية انتهكت مجالها الجوي ليل الثلاثاء الأربعاء.
وردا على ما اعتبروه “استفزازا” من قبل موسكو، أعلن حلفاء بولندا تعزيز مساهمتهم في دفاعاتها الجوية. وقررت ألمانيا تمديد مهمتها لحماية المجال الجوي البولندي لثلاثة أشهر ومضاعفة عدد مقاتلات “يوروفايتر” إلى أربع.
ويعد الإجراء بادرة دعم صريحة لوارسو قد تضعف موقف الرئيس البولندي.
ويوضح المحلل في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (SWP) كاي-أولاف لانغ أن برلين قادرة على أن ترد على نافروتسكي بحجج “في مجال السياسة الأمنية”.
وما قد يعزز موقف برلين أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لا يخفي ناوروتسكي إعجابه به، أثار صدمة لدى الحكومة والرأي العام في بولندا، بتلميحه الى أن انتهاك المسيّرات مجالها الجوي ربما كان “خطأ” غير متعمد.
ويعتبر المحلل مارتسين زابوروفسكي من مركز “غلوبسك” (Globsec) للأبحاث، أنه في لحظة مفصلية “نتلقى مؤشرات على أنه ليس أكيدا أن واشنطن ستساعدنا في هذه الفترة الصعبة”.
يضيف لفرانس برس أن ذلك يلقي بظلاله على رهان نافروتسكي على التحالف مع واشنطن و”يجب أن يكون له تأثير على تواصله في ألمانيا وفرنسا”.
بور-بو/كام/ناش
Agence France-Presse ©