وسط أزقة سوق طرابلس الضيقة في شمال لبنان، تُخلّد ورشة محمد الشعار، آخر صنّاع الطرابيش في البلاد، فنّ صناعة أغطية الرأس التقليدية هذه التي كانت رائجة في عهد الإمبراطورية العثمانية.
بألوان متنوعة بين العنابي والأخضر وحتى الأسود؛ وبزخارف لافتة وتطريزات بشعار الأرزة اللبنانية، أو حتى بتصاميم بسيطة… يُقدّم محمد الشعار ذو اللحية السوداء والشارب العريض، لزبائنه تشكيلة واسعة من الطرابيش.
يُعرف هذا الرجل الطرابلسي ذو العينين الداكنتين بأنه آخر حرفي يُنتج هذه القبعات التقليدية الموروثة من العصر العثماني، وهو يحافظ منذ ربع قرن على هذه المهارة التي ورثها عن جده.
رغم أن الطربوش بات في المقام الأول قطعة ذات طابع رمزي أو اكسسوارا موجها للسياح، إلا أن إنتاجه يبقى حرفة أصيلة تتطلب مهارات خاصة، على ما يؤكد الحرفي.
وقد توارثت العائلة هذا التقليد عبر الأجيال، رغم أن محمد الشعار البالغ 38 عاما قد تدرّب على هذه الحرفة في مصر.
ويقول الشعار باسما “عائلتنا تمارس هذه المهنة منذ 125 عاما”.
– لغة غير لفظية –
انتشر الطربوش بشكل خاص في عهد السلطنة العثمانية، خصوصا بعد أن فرض السلطان محمود الثاني على كبار الشخصيات اعتماره. ويعود تاريخ الطربوش في لبنان إلى قرون عدة خلت.
يقول محمد الشعار “كانت للطربوش قيمة كبيرة. كان زيّا يوميا وكان اللبنانيون يفتخرون به”.
لم يكن هذا الغطاء الأحمر المصنوع من الصوف المضغوط (اللباد) رمزا للوجاهة أو دلالة على المكانة الاجتماعية فحسب، بل كان أيضا وسيلة تواصل غير لفظية.
ويوضح الشعار “عندما كان أحدهم يريد مغازلة شابة جميلة، كان يميل طربوشه قليلا إلى اليسار أو إلى اليمين. وعندما كان يريد أحدهم إذلال شخص ما، كان يُسقط له طربوشه أمام الناس”.
– فن في خطر؟ –
لم يُفلت إنتاج الطربوش في لبنان من الأزمة الاقتصادية والمالية العميقة التي تضرب لبنان منذ عام 2019. فقد انخفضت مبيعات الحرفي إلى “4 أو 5 طرابيش شهريا فقط”.
يوضح الحرفي الطرابلسي “اليوم، يكاد الناس لا يضعون الطربوش إلا في المناسبات التقليدية”. وهؤلاء الزبائن هم في الغالب من فرق الغناء والرقص التقليدية، كفرق الدبكة مثلا، أو من المشايخ الذين لا يزالون يعتمرون الطربوش وحوله عمامة بيضاء.
في أعقاب الأزمات المتتالية التي مر بها لبنان، بما في ذلك انفجار مرفأ بيروت عام 2020، “خفّت السياحة، وخفّ عملنا، وخفّ الطلب على الطربوش”، بحسب الحرفي الذي كان يوظف ثلاثة أشخاص سابقا.
على الرغم من كل شيء، لا ينوي محمد الشعار التوقف عن ممارسة حرفته. ويؤكد الرجل مرتديا زيا تقليديا ومعتمرا الطربوش، أنه يمارس “هذه المهنة بشغف”.
ويقول “أشعر بأنّ روحي متعلقة بهذه المهنة. لا أرغب أبدا في الإغلاق ولا أفكر البتة في ترك هذا العمل”.
ت ز/جك
Agence France-Presse ©